بعد استهداف مواقع في قطر: هل يخرج الخليج بميثاق ردعٍ جماعي أم بردود فردية متباينة؟

في بيئةٍ أمنيةٍ حسّاسة، جاءت الضربة الإسرائيلية داخل قطر لتدفع بالعناوين الكبرى إلى الواجهة: الردع، الوساطة، والموقف الجماعي. لم يكن الحدث تفصيلاً عابرًا، بل أعاد ضبط ساعات الأمن الخليجي وفتح الباب أمام أسئلة مؤجلة: هل سقطت خطوط حمراء تقليدية؟

تبدو الدوحة هدفًا مركّبًا لأنها تجمع بين دور الوسيط وموقع القاعدة العسكرية الأجنبية، ما يجعل أي استهدافٍ في مجالها السيادي رسالةً أمنية-سياسية مزدوجة. فالمغزى لا يتوقف عند الضغط على فصيلٍ فلسطيني، بل يمتد إلى إظهار كلفة رعاية الوساطة وقياس صلابة الموقف الخليجي.

هل كانت العملية قياس حرارة؟ الأقرب للتحليل أنها اختبارٌ ثلاثيّ الأبعاد: سياسيًّا لقراءة حدّة الإدانات، على المستوى الإجرائي لرصد تعديلات الدفاع الجوي، وتفاوضيًّا لمراقبة مرونة الوسطاء أمام الضغوط. على نحوٍ أوضح: الرسالة تستفهم: هل يكفي البيان؟ وهل تتحول الكلمات إلى مؤسسات؟

على الضفة الخليجية، تراقب الحكومات أثر الاستثناء. فإذا أمكن تنفيذ ضربة دقيقة في قلب عاصمة وسيطة، أين ضمانات عدم التمدد؟ من هنا تتقدم على الطاولة خمس حزمٍ مبدئية: تعزيز الإنذار المبكر وربط الرادارات، رفع بروتوكولات حماية الوفود، توسيع تبادل المعلومات، تحديث قواعد العبور الجوي، وميثاق عربي لأمن الوساطة.

أمّا على المستوى السياسي، فثمة أدوات ضغطٍ دون عتبة التصعيد العسكري: مذكرات احتجاجٍ صريح، ربطٌ شرطيّ لمسارات التطبيع، تحريك مسارات مساءلةٍ أممية، لغة سياسيّة متماسكة تُعرّف خرق السيادة بوصفه تهديدًا مباشرًا للاستقرار يستوجب إجراءات ردعٍ تراكمية. في هذه النقطة تبرز الفاعلية: تجفيف مكاسب الاستهداف دون غرقٍ في سباقٍ مفتوح.

الموقف المصري محوري بحكم الجغرافيا ودور القاهرة في إدارة الملفات الفلسطينية، لكن السيناريو الأرجح لا يذهب إلى مواجهةٍ منفردة، بل إلى تصعيدٍ سياسيٍ وقانوني مع اصطفافٍ خليجي-مصري يهدف إلى تثبيت خطوط حمراء مع حفظ أبواب الحل مفتوحة. بهذه الصيغة تُوازن القاهرة بين الأمن القومي وأدوار الوساطة، وتسهم في صياغة موقفٍ عربيٍّ متماسك.

هل يمكن أن يتحوّل الغضب الشعبي إلى موقفٍ عربيٍّ واحد؟ حسابات المصالح تقول إن العلاقات مع ضبط النفس الاستراتيجي الغرب متشعبة، وأن الفك الكامل غير عملية. لكن ما يمكن تحقيقه هو سقف قرارٍ أعلى: تضامنٌ سياديٌ صلب، توازنٌ أوسع في التحالفات، وردعٌ مؤسسي تُرسل للغرب رسالة واضحة: لسنا في خصومةٍ شاملة، لكن السيادة خطٌ أحمر.

وأين روسيا والصين من ذلك؟ الملحوظ أنهما يعتمدان خطاب التهدئة، غير أن المسافة تتيح فرص الشراكة: كلما تآكل اليقين بـمظلّةٍ أحادية، ازداد إغراء التنويع عبر صفقات تسليحٍ وتقنية يحفظ التوازن بل يرفع كلفة الضغط. بهذه المقاربة تكسب العواصم هامش قرار دون اصطفافاتٍ صلبةٍ جديدة.

من العِبَر المباشرة أن أمن الوسطاء ليست هامشًا بروتوكوليًا بل جزءًا من الأمن القومي. لذلك تبدو مبادرة قواعد عربية لحماية الوسطاء أداةً رادعة: معايير تأمين للمقار والوفود، شبكات رصد وتحذير، وآثارٌ قانونيةٌ مُعلنة لكل انتهاك، خط اتصال ساخن مع الشركاء الدوليين لتقليل احتمالات سوء التقدير.

اقتصاديًا، تشتبك المصالح المالية بالقرار؛ المشاريع العابرة للحدود تحتاج بيئةً آمنة. كل سابقةٍ مماثلة تزيد علاوات المخاطر، وتؤثر في تدفقات رأس المال. لذلك فإن بناء منظومة منعٍ فعّالة أقل تكلفةً بكثير من معالجة نتائج الخلل. هنا تتقاطع مصلحة المستثمر مع الأمن القومي: حكمة الرد هي الضمانة لثقة الأسواق.

في الخلاصة، استهداف مواقع في الدوحة اختبارٌ قاسٍ لالنظام الأمني الخليجي وأدوار الوسطاء. إن كانت العملية اختبارًا، فإن الاستجابة الممكنة موجودة: لغة مشتركة تتشكل، وميلٌ لتغليب العمل المؤسسي، مع أسئلةٍ صعبةٍ لواشنطن وحساباتٍ دقيقة لتل أبيب. وبموازاة دورٍ مصريٍّ راجح وبناء جسور دفاعٍ مشتركة، يمكن للعرب أن يسدّوا ثغرات الردع دون تفجير الإقليم. هذا هو التوازن الممكن: ردعٌ متدرّج بلا مغامرة، ووحدة سيادية يقول إن استهداف أراضي الوسطاء ليس ورقة مجانية، وإن حماية البيت العربي مسؤولية مشتركة.

ولأجل حاضرٍ أكثر أمانًا، تبقى ثلاثة عناوين ملحّة: شبكات إنذارٍ ودفاعٍ مدمجة، ميثاق عربي واضح للوساطة، ولغة قانونية صارمة تغلق شهية تكرار السوابق. عبر ذلك فقط، تتحوّل الأزمة فرصة في بناء أمنٍ عربيٍّ أمتن لا تخاصم العالم، لكنها ترسم حدودًا لا تُمسّ.

....

shopysquares OfferMasr Latest Updates

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *